قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال (63)] إن هذه الآية تدل على تأليف قلوب العرب الذين كانوا أول من خوطب بالرسالة، يستوي في ذلك المهاجري والأنصاري، والأوسي والخزرجي، بهذا نما الإسلام قوياً عزيزاً غالباً بقوة الله وقدرته، وقد ختم الله -سبحانه وتعالى- الآية الكريمة بقوله: {إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهو عزيز يخلق العزة وأسبابها، عالم يجمع القلوب بحكمته وتدبيره، وهو الذي أحاط بكل شيء علماً، وفيه إشارة إلى أمرين:
أولهما: أن ائتلاف القلوب، والتحاب والتواد، والبعد عن التباغض والتنابز، هما عماد العزة، والتدبير الحكيم.
وثانيهما: إنه لا غلب ولا سلطان إلا بالتآلف، وإن يصير المجتمع كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً.
اللهم أعد للمسلمين ائتلافهم، واجمعهم على محبتك ومحبة رسولك، وأزل ما بينهم من بغضاء وعداوة، وأبدل بهما محبة وولاء، إنه لا يقدر على ذلك إلا أنت، كما ألفت القلوب ابتداء، فأعدها بعزتك وحكمتك، إنك سميع مجيب الدعاء.
[زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة (6/3181)].